فن الطباعة

فن الطباعة: تاريخ وتقنيات وتأثيرات

المقدمة

فن الطباعة هو فن يستخدم فيه الفنان قالبًا محفورًا أو مرسومًا أو مطبوعًا لنقل الصورة أو النص إلى ورقة أو مادة أخرى. يمكن للفنان إنتاج نسخ متعددة من نفس العمل باستخدام نفس القالب، وهذا ما يسمى الطبعة. فن الطباعة يختلف عن فن الرسم أو التلوين أو الكتابة، حيث يتطلب تدخلًا آليًا أو كيميائيًا أو فيزيائيًا لنقل الصورة من القالب إلى الورقة.

فن الطباعة له أهمية كبيرة في تاريخ الإنسانية، فهو ساهم في نشر المعرفة والثقافة والفكر بين الشعوب والأمم. كما أنه أثر على تطور الفنون الأخرى، مثل التصوير، والكاريكاتير، والجرافيك. فن الطباعة يعبر عن رؤية وإبداع وتجربة الفنان، ويمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن المشاعر أو الانتقادات أو الرسائل.

هناك أنواع مختلفة من فن الطباعة، تختلف حسب طريقة صنع القالب وطريقة نقل الصورة. بشكل عام، يمكن تقسيم فن الطباعة إلى أربع فئات رئيسية:

  • النقوش البارزة: هي طريقة تستخدم فيها قالب من الخشب أو المعدن محفور بشكل جزئي، بحيث تظهر الأجزاء المراد طباعتها بارزة على سطح القالب. يتم دهان هذه الأجزاء بالحبر، ثم يتم وضع ورقة فوقها والضغط عليها بآلة أو باليد. من أمثلة هذه الطريقة: الخشبية والحديدية.
  • الحفر على المعادن أو الحجر: هي طريقة تستخدم فيها قالب من المعدن أو الحجر محفور بشكل كامل، بحيث تظهر الأجزاء المراد طباعتها مغروسة في سطح القالب. يتم دهان هذه الأجزاء بالحبر، ثم يتم مسح زائد الحبر من سطح القالب، ثم يتم وضع ورقة فوقها والضغط عليها بآلة خاصة. من أمثلة هذه الطريقة: الإبرية والزخارفية.
  • الطباعة التخطيطية: هي طريقة تستخدم فيها قالب من مادة مسامية، مثل حجر اللث أو الزنك، يتم رسم عليه

الصورة أو النص بمادة ترفض الحبر، مثل الشمع أو الورنيش. يتم دهان سطح القالب بالحبر، ثم يتم وضع ورقة فوقها والضغط عليها بآلة أو باليد. من أمثلة هذه الطريقة: اللثوغرافية والمونوتايب.

  • المرسام: هي طريقة تستخدم فيها قالب من شاشة حريرية مثقوبة بشكل جزئي، بحيث تظهر الأجزاء المراد طباعتها مفتوحة على سطح الشاشة. يتم دهان هذه الأجزاء بالحبر، ثم يتم وضع ورقة أو مادة أخرى تحت الشاشة، ثم يتم دفع الحبر من خلال الثقوب بفرشاة أو مطاطة. من أمثلة هذه الطريقة: السيريغرافية والستنسيل.

التاريخ

فن الطباعة بالشاشة

فن الطباعة له تاريخ طويل وعريق في الشرق والغرب. يعود أول ظهور لفن الطباعة إلى حضارات بلاد ما بين النهرين، حيث استخدم السومريون والأكاديون والبابليون الأختام الممهرة للتوقيع على المستندات والعقود والأواني الفخارية. كانت هذه الأختام عبارة عن قطع من الحجر أو المعدن محفورة بشكل حيوانات أو نباتات أو رموز. كان يتم دهانها بالحبر أو الماء الملون، ثم يتم ضغطها على سطح مسطح، مثل الطين أو الجلد أو الورق.

في الصين، نشأ فن الطباعة في عصور مبكرة، حيث استخدم الصينيون الخشبية لطباعة الصور والكتب والأوراق المالية. كانت هذه الطريقة تتطلب نحت قالب من خشب صلب، مثل خشب الكستناء أو الكرز، بحيث تظهر الأجزاء المراد طباعتها بارزة على سطح الخشب. كان يتم دهان هذه الأجزاء بالحبر، ثم يتم وضع ورق رقيق فوقها والضغط عليها بآلة خشبية أو بفرشاة. كان من أشهر المطبوعات الصينية سودوكا سان تسائى (سودوكا ثلاث ممالك)، وهو رواية تاريخية عن حروب ثلاث ممالك في الصين.

في الهند، ازدهر فن الطباعة في فترة الإمبراطورية المغولية، حيث استخدم الهنود الحديدية لطباعة الصور والنقوش والزخارف. كانت هذه الطريقة تتطلب نحت قالب من حديد أو نحاس أو برونز، بحيث تظهر الأجزاء المراد طباعتها بارزة على سطح المعدن. كان يتم دهان هذه الأجزاء بالحبر، ثم يتم وضع ورق أو قماش فوقها والضغط عليها بآلة معدنية أو باليد. كان من أشهر المطبوعات الهندية المينياتورات المغولية، وهي لوحات فنية تصور مشاهد من التاريخ والأساطير والحياة اليومية.

في العالم العربي، انتشر فن الطباعة في فترة العصور الوسطى، حيث استخدم العرب الحفر على المعادن لطباعة الكتب والخرائط والأبراج. كانت هذه الطريقة تتطلب نحت قالب من معدن نفيس، مثل الذهب أو الفضة أو النحاس، بحيث تظهر الأجزاء المراد طباعتها مغروسة في سطح المعدن. كان يتم دهان هذه الأجزاء بالحبر، ثم يتم مسح زائد الحبر من سطح المعدن، ثم يتم وضع ورق أو جلد فوقها والضغط عليها بآلة معدنية أو باليد. كان من أشهر المطبوعات العربية كتاب التاريخ لابن خلدون، وكتاب التصوير لابن الهيثم، وكتاب التفسير لابن كثير.

في أوروبا، ظهر فن الطباعة في نهاية القرون الوسطى، حيث استخدم الأوروبيون آلة غوتنبرغ للطباعة، وهي آلة تستخدم قالبًا من حروف معدنية متحركة، يمكن تركيبها لتشكيل كلمات وجمل. كان يتم دهان هذه الحروف بالحبر، ثم يتم وضع ورق فوقها والضغط عليها بآلة معدنية. كان من أشهر المطبوعات الأوروبية كتاب الساعات (Book of Hours)، وهو كتاب صلاة مزخرف بصور دينية وزخارف نباتية.

التقنيات

طرق الطباعة الفنية

فن الطباعة يستخدم تقنيات مختلفة لصنع قالب للطباعة باستخدام مواد مختلفة. في هذا الجزء، سنشرح بإيجاز كيفية صنع قالب لكل نوع من أنواع فن الطباعة:

  • الخشبية: لصنع قالب خشبي، يجب اختيار خشب صلب وسلس، مثل خشب الكستناء أو الكرز. يجب نحت سطح الخشب بسكين حاد أو مبرد خشب، بحيث تظهر الأجزاء المراد طباعتها بارزة على سطح الخشب. يجب دهان هذه الأجزاء بالحبر، ثم وضع ورق رقيق فوقها والضغط عليها بآلة خشبية أو بفرشاة.
  • الحديدية: لصنع قالب حديدي، يجب اختيار معدن صلب ومصقول، مثل حديد أو نحاس أو برونز. يجب نحت سطح المعدن بإبرة حادة أو مبرد معدن، بحيث تظهر الأجزاء المراد طباعتها بارزة على سطح المعدن. يجب دهان هذه الأجزاء بالحبر، ثم وضع ورق أو قماش فوقها والضغط عليها بآلة معدنية أو باليد.
  • الحفر على المعادن أو الحجر: لصنع قالب من المعدن أو الحجر، يجب اختيار مادة صلبة ومقاومة للتآكل، مثل ذهب أو فضة أو نحاس أو حجر اللث أو الزنك. يجب نحت سطح المادة بإبرة حادة أو محلول حمضي، بحيث تظهر الأجزاء المراد طباعتها مغروسة في سطح المادة. يجب دهان هذه الأجزاء بالحبر، ثم مسح زائد الحبر من سطح المادة، ثم وضع ورق أو جلد فوقها والضغط عليها بآلة خاصة.
  • الطباعة التخطيطية: لصنع قالب من مادة مسامية، يجب اختيار مادة تستطيع امتصاص الحبر وإطلاقه بسهولة، مثل حجر اللث أو الزنك. يجب رسم الصورة أو النص على سطح المادة بمادة ترفض الحبر، مثل الشمع أو الورنيش. يجب دهان سطح المادة بالحبر، ثم وضع ورقة فوقها والضغط عليها بآلة أو باليد.
  • المرسام: لصنع قالب من شاشة حريرية، يجب اختيار شاشة من حرير أو نايلون أو بوليستر، وتثبيتها على إطار خشبي أو معدني. يجب غلق الثقوب التي لا تراد طباعتها بمادة لاصقة، مثل الإيملسيون أو الفيلم. يجب دهان الثقوب المفتوحة بالحبر، ثم وضع ورقة أو مادة أخرى تحت الشاشة، ثم دفع الحبر من خلال الثقوب بفرشاة أو مطاطة.

التأثيرات

فن الطباعة بالألوان

فن الطباعة له تأثير عميق على المجتمع والفنون، فهو يساعد على نشر المعرفة والثقافة والفكر بين الشعوب والأمم، ويعزز التواصل والتبادل والتعاون. فن الطباعة يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن المشاعر أو الانتقادات أو الرسائل، ويمكن أن يؤثر على الرأي العام. فن الطباعة يساهم أيضًا في تطور الفنون الأخرى، مثل التصوير، الكاريكاتير، والجرافيك.

من أهم التأثيرات التي أحدثها فن الطباعة هو انتشار الكتب و المقروءات بين الجماهير. فبفضل فن الطباعة، أصبح من الممكن إنتاج نسخ كثيرة من الكتب والمجلات والجرائد بسرعة وبتكلفة منخفضة. هذا ساعد على نقل المعلومات والأفكار والابتكارات بين البلدان والقارات، وزاد من مستوى التعليم والثقافة بين الشعوب. كما يساهم فن الطباعة في حفظ التراث الإنساني، فهو يحافظ على ذاكرة التاريخ والأدب والفلسفة والعلوم.

أيضا من الجوانب الايجابية التي تنتج من فن الطباعة هو تطور الفنون الأخرى. ففن الطباعة يستخدم مجموعة من العناصر الفنية، مثل الخط، واللون، والشكل، والتكوين، والإضاءة، والظل. هذه العناصر تؤثر على طريقة رؤية الفنان للعالم وتحديد موضوعه، وإبراز رسالته. فن الطباعة يمكن أن يكون واقعيًا أو خياليًا أو تجريديًا، وبالتالي يتم استخدام تقنيات مختلفة لإظهار المشهد بزوايا مختلفة، وإضافة تأثيرات ضوئية أو لونية أو حركية خاصة لكل نوع. 

التحديات

أدوات فن الطباعة

فن الطباعة يواجه العديد من التحديات في عصرنا الحديث. فهو يتنافس مع التقنيات الجديدة، مثل الطباعة الرقمية والطباعة ثلاثية الأبعاد. التقنيات المتطورة توفر سرعة ودقة وتنوع أكبر في إنتاج المطبوعات، وتقلل من التكلفة والجهد والمواد. لكن هذه التقنيات تفقد فن الطباعة جزءًا من روحه وفنيته، فهي تقلل من دور الفنان وإبداعه، وتزيد من دور الآلة والبرمجة. كما أن هذه التقنيات تزيد من خطر انتشار المحتوى المزيف أو المسروق، فهي تسهل عملية نسخ وتعديل وتزوير المطبوعات.

أيضا بعض التحديات التي تواجه هذا النوع من الفنون تتعلق بجودة المواد المستخدمة في صنع القالب والحبر والورق. فهذه المواد تتأثر بالعوامل البيئية، مثل الحرارة والرطوبة والضوء. هذه العوامل تؤدي إلى تغير لون أو شكل أو حجم المطبوعات، وتقلل من عمرها وجمالها. لذلك، يجب على فناني الطباعة اختيار مواد ذات جودة عالية، وحفظ المطبوعات في أماكن جافة ومظلمة ومبردة.

فن الطباعة يواجه كذلك تحديات تتعلق بحماية حقوق المؤلف للفنانين. ففن الطباعة يسمح بإنتاج نسخ متعددة من نفس العمل، وهذا يزيد من احتمالية انتهاك حقوق المؤلف أو الإساءة إلى المصدر. لذلك، يجب على فناني الطباعة التأكد من حصولهم على رخصة أو إذن من صاحب الحق قبل طباعة أي عمل ليس من تأليفهم، وكذلك ذكر اسم المؤلف وسنة الإصدار على كل نسخة من المطبوعات.

الخلاصة

في ختام هذه المقالة، نود أن نبرز قيمة فن الطباعة كإرث فني وثقافي يستحق المحافظة عليه والترويج له. ففن الطباعة هو فن يعبر عن رؤية وإبداع وتجربة الفنان، ويمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن المشاعر أو الانتقادات أو الرسائل.هذا الفن يعزز احترام التقاليد والتاريخ، ولكنه يتجدد بالابتكارات والتجارب. فن الطباعة هو فن يجمع بين الجمال والمعرفة، وبين الفرد والجماعة.

Back to blog